• محافظو البنوك المركزية يطالبون بتطوير «سوق الدين» في الخليج

    25/03/2011

    محافظو البنوك المركزية يطالبون بتطوير «سوق الدين» في الخليج

     




     
    اتفق محافظو مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي أمس، على أهمية تطوير سوق السندات والصكوك في دول المجلس، معتبرين القطاع المصرفي الخليجي متأخرا في هذه السوق مقارنة بالدول الأخرى. كما أكدوا ضرورة وضع معايير واضحة وشفافة لنمو وازدهار أسواق الدين في المنطقة، سواء كان ذلك دينا حكوميا أو السندات والصكوك التي تطرحها الشركات والمؤسسات المالية، مشددين في هذا الصدد أيضا على ضرورة وضع معايير رقابية في مجال التعامل مع الأدوات المالية لتجنب خلق ''فقاعة'' في السوق النقدية.
    جاء ذلك خلال مشاركتهم في الجلسة الختامية للمؤتمر المصرفي العاشر لدول مجلس التعاون الخليجي الذي نظمه مصرف قطر المركزي بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الدوحة أمس، وهدف إلى مناقشة التحديات المالية التي تواجه دول المنطقة وإيجاد حوار بناء لصياغة حلول فاعلة لها.
    وطالب الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي رئيس مجلس إدارة المجلس النقدي الخليجي، بضرورة تطوير سوق السندات والصكوك في دول مجلس التعاون، معتبرا القطاع المصرفي الخليجي متأخرا في هذه السوق مقارنة بالدول الأخرى.
    وقال إن هناك مجالا كبيرا لتحقيق ذلك في ضوء الإمكانات الهائلة المتوافرة لدى دول المجلس، حيث تستطيع تطوير هذه السوق بصرف النظر عن حجمها.
    كما طالب الجاسر بضرورة انتقال رؤوس الأموال بين دول المجلس بشكل سلس ما يعمق التطور المالي والتناسق بين اقتصادات هذه الدول.
    وذكر أن دول مجلس التعاون حققت إنجازات متعددة في سياق الوحدة النقدية رغم وجود العديد من المسائل التي يقتضي التعاون بشأنها، لافتا إلى أن الاتحاد النقدي الخليجي حقق خطوات يطمح الاتحاد الأوروبي بالوصول إليها، ومنها مسألة نظام التقاعد والسلاسة في انتقال العمالة بين الدول الخليجية.
    وشدد الجاسر على أهمية المحاور التي تطرقت إليها جلسات المؤتمر التي ركزت على أهم القضايا التي تواجه القطاع المصرفي والمالي في دول مجلس التعاون الخليج.
    وأفاد بأن من أبرز تلك القضايا ما يتعلق منها بالإشراف البنكي، مؤكدا أهمية إدارة البنوك بوصفها مسؤولة مباشرة عن إدارة المخاطر في بنوكها التجارية. وقال إن إدارة البنوك تتحمل المسؤولية سواء قامت الأجهزة الرقابية بدورها أم لا، مؤكدا دور الجهات الإشرافية في تطبيق التشريعات الموجودة لحماية القطاع المصرفي والمالي. كما ذكر أن من أبرز المحاور التي ناقشها المؤتمر هو موضوع الوحدة النقدية، مؤكدا أن دول المجلس حققت الكثير من الإنجازات من خلال قيام المجلس النقدي الخليجي، قائلا ''إننا لم نصل بعد إلى الكمال، وإنما نحن في حالة تطور وقطعنا شوطا كبيرا في هذا المجال''.
    ولفت محافظ مؤسسة النقد إلى وجود تنافس في أسواق العمل الخليجية خاصة مع وجود عدد كبير من العمالة من غير المواطنين، منوها بأن ذلك يعطي السوق مرونة كبيرة. وحول تطرق المؤتمر في إحدى جلساته إلى أن حجم البنوك في المنطقة غير كبير، قال إن حجم البنوك يتناسب مع حجم الاقتصاديات التي تعمل فيها، مضيفا ''أن حجم بنوكنا جيد ويجب الحذر من الدعوات إلى إيجاد مؤسسات مالية قد يفوق حجمها اقتصاد الدولة التي تعمل فيها''. وأعطى مثالا على ذلك بما حصل في إيرلندا التي يفوق فيها حجم المؤسسات المالية اقتصاد الدولة. وحذر من نمو حجم المؤسسات المالية بما يفوق نمو اقتصادات الدول التي تعمل بها، معربا عن اعتقاده بأن هناك الكثير مما يمكن عمله لتطوير القطاع المصرفي الخليجي.
    وعلى هامش المؤتمر، استبعد الجاسر أن المنح التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أخيرا، والتي تبلغ قيمتها 130 مليار دولار وتهدف لزيادة الأجور وخلق الوظائف وبناء المنازل؛ سترفع التضخم على الأرجح.
    وقال إنه يشك في أن هذه الإجراءات سترفع التضخم. وأضاف أن الإنفاق الإضافي لن يذهب إلى طلب إضافي على الغذاء لأن الناس يستهلكون بالفعل ما يحتاجون إليه. وقال إن معظم الإنفاق سيذهب إلى توفير المنازل وإذا حدث ارتفاع طفيف في التضخم في بداية الأمر فإنه سيتلاشى وسيبدأ التضخم في التراجع بسبب الإنفاق الضخم على بناء المنازل. وسئل الجاسر إن كانت المملكة تخطط لإصدار سندات سيادية هذا العام، فقال إن المملكة لا تحتاج إلى جمع أي تمويل.
    من جانبه، أكد سلطان السويدي محافظ مصرف الإمارات المركزي أن تطبيق دول مجلس التعاون لمعايير ''بازل 3'' سيكون سهلا خاصة فيما يتعلق بكفاية رأس المال والتي تقتضي فقط من الدول إصدار بعض التشريعات الرقابية. وأضاف أنه فيما يتعلق بموضوع السيولة المرتبط بهذه المعايير، لا بد من خلق أسواق دين محلية أو ''سندات وصكوك'' في دول المجلس. كما أكد ضرورة وضع معايير واضحة وشفافة لنمو وازدهار أسواق الدين في دول مجلس التعاون، موضحا أنه سواء كان ذلك دينا حكوميا أو السندات والصكوك التي تطرحها الشركات والمؤسسات المالية.
    وشدد السويدي أيضا على ضرورة وضع معايير رقابية في مجال التعامل مع الأدوات المالية لتجنب خلق ''فقاعة'' في السوق النقدية. وأكد أن إدارة المخاطر في المجال الائتماني كانت موجودة سابقا على الرغم من بروزها وتفعيل دورها في ظل الأزمة المالية العالمية، مشددا على أهمية الحوكمة أو الانضباط المؤسسي حيث لا بد من تعميق ثقافة الحوكمة كونها جزءا أساسيا في سبيل حماية النظام المالي.
    من جهته، شدد الشيخ سالم الصباح محافظ البنك المركزي الكويتي على أهمية دور السلطات الرقابية لحماية القطاع المصرفي، معتبرا أنه يجب أن تكون الرقابة مرتكزا أساسيا لحماية المؤسسات المالية من مخاطر معينة شرط أن تمارس إدارات تلك المؤسسات دورها بشكل علمي وفني وأخلاقي.
    وقال محافظ بنك الكويت المركزي إن الأزمة المالية العالمية كانت نتيجة جشع وعدم وجود انضباط أخلاقي لدى عدد من المؤسسات المالية العالمية وسعيها للحصول على أرباح دون اتخاذها لإجراءات تحد من المخاطر، وذلك في ظل من ضعف السلطات الرقابية. وأكد أهمية دور السلطات الرقابية في الدول من أجل وضع ضوابط على تلك المؤسسات. وقال إن الهدف من وجود السلطات الرقابية هو حماية النظام المصرفي والمالي داخل الدولة وليس الحد من عمل البنوك.
    كما طالب بضرورة الفصل بين اختصاص مجالس إدارات البنوك والجهاز التنفيذي في هذه البنوك تلافيا للتداخل في الاختصاصات. وقال إنه لا ينبغي لأعضاء مجالس الإدارات التدخل في العمل التنفيذي وبالتالي لا بد أن يكون دور مجلس الإدارة هو الإشراف على العمل وصياغة السياسات وأن يكون دور الجهاز التنفيذي تطبيق تلك السياسات. وأضاف أن إدارة المخاطر ليست جديدة وإنما منذ بداية تسعينيات القرن الماضي على الرغم من بروزها في الآونة الأخيرة بعد الأزمة المالية العالمية، معتبرا أن غيابها في الماضي كان نتيجة عدم تفعيل دورها بشكل صحيح. وشدد على ضرورة أن تكون إدارة المخاطر مستقلة ولا تخضع لرغبات الجهاز التنفيذي في المؤسسات المالية. كما اعتبر أن حصول أزمات في قطاع معين من القطاعات الاقتصادية يؤثر على القطاعات الأخرى في الدولة، وبالتالي لا بد من الحذر لحماية الاقتصاد الكلي للدولة. وأكد أنه لا يمكن رسم سياسة نقدية بمعزل عن الاستقرار المالي داخل الدولة.
    من جهته، حذر عبد الله آل ثاني محافظ مصرف قطر المركزي من تبعات فوضى سعرية قد تشهدها سوق النفط العالمية. وقال إنه رغم أن أسعار النفط عادت إلى الارتفاع في عام 2010 وتحسنت موازين المدفوعات لدول مجلس التعاون الخليجي وفوائض الموازنات ومعدلات النمو الاقتصادي، إلا أن نذر الفوضى السعرية لا تزال قائمة عالميا بما يفتح أمامها كل الاحتمالات.
    وأضاف محافظ مصرف قطر المركزي أن المؤتمر سلط الضوء على عدد من القضايا الرئيسية التي تتصل بأوضاع الاقتصاد الكلي وبالأنظمة المالية في دول مجلس التعاون وبموضوع الاستقرار المالي. وأوضح أنه تم التأكيد على حقيقة أن اقتصادات دول المجلس لم تكن بمنأى عن تداعيات الأزمة المالية العالمية وإن تفاوتت تأثيراتها على الدول الأعضاء بحسب ظروف كل دولة ومدى انكشافها على الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن التأثير الأكبر على دول مجلس التعاون الخليجي جاء من باب انخفاض عائدات النفط والغاز في عام 2009 بشكل غير متوقع في ظل فوضى تذبذبات أسعار النفط. ولفت إلى أنه من بين الجوانب الإيجابية للأزمة المالية العالمية على دول مجلس التعاون الخليجي تراجع معدلات التضخم إلى مستوياتها المعتادة. وذكر أن موضوع مراكز المعلومات الائتمانية استحوذ على الاهتمام البالغ في مناقشات الجلسة الأولى، حيث تم تبادل الرأي حول الجوانب التنظيمية والقانونية والإجرائية المتصلة بتلك المراكز ومجالات عملها وإمكانات تطويرها.
    ولفت آل ثاني إلى أن موضوع الاتحاد النقدي أخذ نصيبا وافرا من حوارات جلسات المؤتمر في ضوء ما تم إنجازه حتى الآن، حيث تم تأكيد الحاجة إلى تطوير الهيكل التنظيمي والحوكمة والبنية القانونية وتقريب معايير السوق. وأشار إلى أن التداولات تركزت على الأزمة المالية العالمية وما أحدثته من تداعيات وتأثيرات سلبية على اقتصادات الدول الخليجية، فتم تبادل المعلومات حول مدى ما أصاب هذه الاقتصادات بسببها، إلى جانب التعرف على عوامل النجاح في التصدي لها، إضافة إلى مناقشة الإطار التنفيذي المقترح لمعايير ''بازل 3'' وتأثيرها المنتظر على القطاع المصرفي الخليجي. وذكر محافظ مصرف قطر المركزي أن المؤتمر ناقش الأنظمة المالية، وأوصى باستمرار دعم القطاع الخاص لتمكينه من مواصلة دوره الحيوي في خدمة الاقتصادات الخليجية. كما أكد ضرورة تعزيز مراكز المعلومات الائتمانية في دول المجلس من ناحية، وأهمية الحفاظ على الاستقرار المالي في جميع الأوقات من ناحية أخرى.
    من جانبه، أكد عبد الرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه محمد المزروعي الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية، أن دول المجلس ومن خلال سعيها لتأطير العمل التكاملي المشترك تمكنت من إنشاء منطقة تجارة حرة في عام 1983 وإقامة الاتحاد الجمركي في عام 2003، حيث كان لذلك الأثر المحمود على زيادة التبادل التجاري والتجارة البينية وتوسيع السوق أمام المنتجات والصناعات الخليجية، مشيرا إلى أن عام 2008 شهد الإعلان عن انطلاقة السوق الخليجية المشتركة كإنجاز تاريخي يضاف إلى إنجازات مجلس التعاون.
    وأضاف أنه وتطبيقا لأعلى مراحل التكامل الاقتصادي بين دول المجلس التي نصت عليها الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون، اعتمد المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته التاسعة والعشرين التي عقدت في كانون الأول (ديسمبر) عام 2008 اتفاقية الاتحاد النقدي والنظام الأساسي للمجلس النقدي، حيث دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في شباط (فبراير) عام 2010، وتم في آذار (مارس) عام 2010 إنشاء المجلس النقدي الذي شرع في تحقيق ما أوكل إليه من قبل المجلس الأعلى من مهام تمهيداً لإنشاء البنك المركزي لدول المجلس وإطلاق العملة الموحدة.
    وشدد العطية على أن دول مجلس التعاون لدول الخليج تسعى دوماً ومن خلال ما تقوم به لجنة التعاون المالي والاقتصادي ولجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول المجلس، إلى تحقيق التكامل الاقتصادي وتفعيل الاتفاقية الاقتصادية، لتكون نموذجاً ناجحاً للعمل الخليجي المشترك، خاصة فيما يتعلق بتنسيق سياساتها المالية والنقدية والمصرفية وتبنيها عدداً من الوثائق في المجال المصرفي والتي من بينها التعليمات الموحدة فيما يتعلق بالمعايير المحاسبية الدولية والإفصاح المالي، ونظام التركزات الائتمانية، والحدود الدنيا لسياسة التصنيف وتكوين مخصصات القروض، ونسب الإشراف والرقابة، والمعايير الوطنية، ودور المدققين الخارجيين وعلاقتهم بالسلطات الإشرافية والرقابية. وأكد أن ذلك الأمر وفر لدول المجلس استقراراً مالياً ونقديا ومكن المصارف والمؤسسات المالية من الوصول إلى مستوى مرموق بما في ذلك مواكبتها للتطورات والمتطلبات الدولية في تطبيق الأنظمة الأساسية للرقابة المصرفية الصادرة عن لجنة بازل، ومعايير الشفافية والإفصاح وكفاية رأس المال.
    وأشار إلى أن العمل جار في إطار لجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية الخليجية على استكمال مسودة التعليمات الرقابية والإشرافية المصرفية الموحدة لدول المجلس، موضحا أنه فيما يتعلق بنظم المدفوعات في دول المجلس فقد أصبح بإمكان المواطن الخليجي استخدام جميع شبكات الصرف الآلي المتواجدة في دول المجلس للسحب مباشرة من حسابه في بنكه الوطني من خلال الشبكة الخليجية للصرف الآلي، إضافة إلى العمل على شبكة خليجية لنقاط البيع ونظام مشترك للمدفوعات.
    وأعرب عن ثقته بأن عقد هذا المؤتمر وبمشاركة من جميع دول المجلس يمثل فرصة للبحث في سبل تعزيز مواقع المصارف الخليجية على خريطة المصارف الدولية ودورها في تشجيع المدخرات الخليجية والقيام بدورها التمويلي والاستثماري من أجل تحفيز التنمية الاقتصادية في دول المجلس، وللتشاور وتبادل الخبرات بين المصارف الخليجية، وتنسيق سياسات وممارسات البنوك لإدارة المخاطر وتطوير الأداء، وتشجيع الاندماج بين المصارف الخليجية، والسماح بمزيد من تحرير الخدمات المالية وتشجيع المنافسة فيما بينها بهدف زيادة قدرتها على مواجهة المنافسة العالمية، مع الالتزام الدقيق بالشفافية في الصناعة المصرفية، خاصة في تطبيق الأنظمة الأساسية للرقابة المصرفية الصادرة عن لجنة بازل وتعزيز مبادئ الحوكمة في المؤسسات المالية وتطبيق التوصيات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية